“مقالات في السياسة والمجتمع” لعبد الرفيع حمضي

مرآة فكرية لزمن التحولات… وتحليل عميق لقضايا تؤرخ لعقد من التحديات

بين التوثيق والتحليل: عندما يصبح المقال شهادة فكرية

صدر حديثًا عن مؤسسة باحثون للنشر كتاب لافت بعنوان “مقالات في السياسة والمجتمع“ للكاتب والمفكر المغربي عبد الرفيع حمضي، يُعد بمثابة أرشيف فكري موسّع لسنة من الأحداث والتحولات التي مست العالم والمغرب على حد سواء.

يتضمن الكتاب أكثر من مئة مقال رأي نُشرت طيلة عام كامل، في ركنين صحفيين ثابتين هما: حديث الأربعاء وأتاي الأحد. لا يكتفي الكتاب بتجميع هذه المقالات كما هي، بل يقدمها كـنصوص تحليلية مؤطرة بسياقاتها، قادرة على منح القارئ نظرة بانورامية على قضايا متشعبة تم تناولها برؤية نقدية ووعي عميق.

السياسة والمجتمع في مرآة حمضي: قضايا كبرى برؤية شخصية مسؤولة

يتنوع محتوى المقالات بين السياسة الدولية والشأن الداخلي المغربي:

• في السياسة الدولية، يطرح الكاتب مواضيع من قبيل: العلاقات المغربية الفرنسية في ظل التحولات الجيوسياسية، مستقبل الاتحاد الإفريقي، وانعكاسات الانتخابات الأمريكية على الخريطة العالمية.
• في الشأن الوطني، يعالج الكاتب ملفات التعليم، الصحة، العدالة الاجتماعية، الهوية الثقافية، الإعلام، والديناميات الشبابية، بأسلوب يراوح بين النقد البناء والطرح التفسيري العميق.

ما يميز هذا الكتاب أنه لا يصف فقط، بل يُحلل، ويتخذ موقفًا، ويفتح النقاش. فكل مقال هو مشروع حوار مع القارئ، لا ينتهي بنقطة، بل بعلامة استفهام.

عمق التجربة… ووضوح التحليل

عبد الرفيع حمضي ليس كاتبًا عابرًا؛ بل هو فاعل جمعوي، وخبير إداري، وناشط سياسي، ومهني له باع طويل في الحقلين العام والخاص، داخل المغرب وخارجه. هذا الزخم المهني والمعرفي يُغني تحليلاته ويمنحها مصداقية نادرة في الصحافة الرأي.

كل نص في الكتاب يشهد على اطلاع واسع، وتجربة واقعية، ونزاهة فكرية، حيث يظهر جليًا أن الكاتب لا يكتفي بملاحظة الظواهر من الخارج، بل ينغمس فيها بتجربة المُعاين والمُشارك والمُسائل.

أسلوب جذاب… وسرد مبني على التأمل والسخرية الهادئة

يتبنى الكاتب أسلوبًا بسيطًا ومباشرًا، لا يركن إلى التنميق اللفظي أو الترف البلاغي، بل يعتمد على السرد التحليلي، والتأصيل الفكري من خلال حكايات أو مشاهد يومية أو مواقف شخصية، يُسقطها بعد ذلك على المشهد السياسي أو الاجتماعي العام.

هذه الطريقة تخلق جسرًا من الألفة بين النص والقارئ، بحيث يشعر القارئ أنه يُحاور الكاتب لا يقرأ له فقط. حتى حين يكون النص نقديًا أو ساخرًا، لا يقطع مع الأمل، بل يستبطن رغبة في الإصلاح والاقتراح والتغيير.

مرافعة فكرية من أجل مشروع إصلاحي شمولي

الكتاب، رغم طابعه النقدي، لا ينطلق من عدميّة. بل هو دعوة للإصلاح، وتأصيل لقيم المواطنة، وتعزيز لثقافة المشاركة المجتمعية. هو كتاب للمثقف العضوي الذي لا يكتفي بوصف الأعطاب، بل يبحث عن حلول ويقترح بدائل، ويؤمن أن النقد البناء هو أول مدماك في الإصلاح الحقيقي.